الدروس المستفادة من حرب غزة*
الشيخ بشير فتحي بالراس علي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المجاهدين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
لكأن القرآن يتنزل علينا فى هذه الايام وهو يقول (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ) ولكأنه يتنزل علينا ويقول (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) وهو يقول (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) وهو يقول (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا) نعم شعرنا بهذه الآيات وعشناها عن قرب ، جاءت إسرائيل بكل عتادها ، بقضها وقضيضها ، دخلت من البر والبحر والجو ، دخلت بالعملاء والمتآمرين والمنافقين ، وبأحدث سلاح حتى المحرم منه ، دخلت تدق لها الطبول أمريكا ، دخلوا على قلة قليلة وشعب أعزل يفقدون ما يعيشون به .
ومن لادين له ولا إيمان رأى أن المعركة محسومة وأن غزة وأهلها ستسوى بهم الأرض ويكون عاليهم سافلهم ، لكن نسو أن الصنف الثاني يحمل في جنباته إيمانا لو قسم عاى أهل الأرض لوسعهم ، أنه يحارب بكلمة لو جعلت في كفة والسماوات والأرض في كفة لرجحت بهن إنها: 'لاإله إلا الله' ، فماذا كانت النتيجة وهذا الحال وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب .
لقد أبلى أهل غزة بلاء عظيما ، وعلموا الدنيا أن بالإيمان لن تستطيع أن تغلبك أعتى قوة فى الأرض . فصبروا وصابروا ورابطوا وصمدوا وتغلبوا على عدو الله وعدوهم .
فازت إسرائيل وحققت أهدافها وهو قتل الصغار والنساء و المجازر الجماعية ، قتلوا وجرحوا الآلاف ، دمروا المنازل والمساجد ، هذا ما حققوه وهذه رجولتهم وشجاعتهم ، لكنهم هزموا فى المعركة شر هزيمة ، رجعوا بخيلهم و رجلهم يجرون أذيال الهزيمة مع هذا الفارق الكبير بينهم و بين جند الله فى غزة ، فشلوا عسكريا و أخلاقيا وإن كانوا عديمى الأخلاق من قبل ، وها نحن نراهم اليوم يفشلون سياسيا أو قربوا .
أيها الإخوة :إن فى حرب غزة دروس عظيمة بعد هذا الذى ذكرناه ما كان ينبغى لنا أن نغفل عنها أو نجعلها تمضى كسالفتها من الأحداث دون عبرة وعظة ، وأول مانستفيد :
• أن الشعب الفلسطينى لم يمت، فمازال يقدم التضحيات تلو التضحيات منذ الانتداب البريطانى الذى زرع اليهود زرعا وغرسهم غرسا ، وتولاهم برعايتهم وتسميده ، إلى أن أصبحوا دولة .
منذ ذلك اليوم والشعب يبذل من أرواحه وأبنائه وشيوخه حتى هذه الحرب الغاشمة ، لسان حالهم يقول : اللهم خذ من أموالنا حتى ترضى ، ومن دمائنا حتى ترضى ، ومن أبنائنا حتى ترضى ، ومن نسائنا حتى ترضى ، ومن بيوتنا حتى ترضى ، هذه الحرب التى نحيى أبناءها ، مرحى مرحى ياأبناء غزة، وياشباب غزة، ويا أطفال غزة ، هؤلاء الصغار الذين أصبحوا بصمودهم وتضحياتهم كبارا ، هؤلاء الأشبال الذين أضحوا أسودا ، هؤلاء التلاميذ الذين أمسوا معلمين .
شباب فلسطين شباب عظماء لاخوف عليهم ، فهم يحملون هما كبيرا وقضية عظمى ، تربوا على البذل والعطاء ، ولاؤهم لله أعظم من ولائهم لأهليهم ، وهم قدوة لشباب المسلمين .
رحم الله الشهداء في غزة ، وشفى الجرحى الذين يقولون بلسان الحال :
ولست أبالي حين أقتل مسلما ** على أي جنب كان في الله مصرعي
• نستفيد من هذه الحرب أن هؤلاء اليهود الذين وثق بهم من وثق ، ووضع يده فى يدهم من وضع ،الذين سار وراءهم السائرون ، وأحسنوا بهم الظن ، هؤلاء اليهود لاعهد لهم ولا ذمة ...
دلتنا هذه الحرب على دناءة اليهود ونذالتهم وخستهم وغدرهم وقسوتهم وعدوانيتهم ، وهذا الدرس تعلمناه من قديم من القران الكريم نفسه ، ومن أحداث التاريخ ، ومن أحداث الواقع الذى نعيشه ، ولكن الحرب أكدت هذا ، وزادتنا يقينا أنهم لايتورعون عن شىء و لا يستنكفون عن شىء ، فقديما قتلوا الأنبياء (فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) ، بل تطاولوا على ذات الله عز وجل وقالوا يد الله مغلولة ، وقالو إن الله فقير ونحن أغنياء ، فالذين تطاولوا على الله ورسله لايستبعد أن يتطاولوا على شعب فلسطين وأبناء فلسطين
وقديما قال بيغن ' أنا أحارب إذن أنا موجود' _ يدلل على وجوده بالحرب والسلاح ولا عجب فهذه طبيعتهم _ فرد عليه أحمد ياسين فقال :'أنا أقاوم إذن أنا موجود ' .
فالوجود الفلسطينى يتحقق بالمقاومة ووجود المقاومة .
• نستفيد أن الذى زرع اليهود هم الغربيون ، بريطانيا هى التى غرست هذا الغرس ثلاثين
عاما أيام الانتداب ثم أعلنت الدولة الصهيونية المغتصبة الظالمة التى أقامت كيانها على الاغتصاب والمجازر البشرية ، هذه الدولة اعترف بها الغرب من أول يوم واعترفت بها
أميريكا من الدقيقة الأولى ومن الثوانى الأولى قالوا : إن إسرائيل خلقت لتبقى .
هذا الغرب لا يزال إلى اليوم يدعم إسرائيل ، وخصوصا رأس الكفر أمريكا _هبل العصر الذي يعبده الحكام _التي تقف معهم بالحق والباطل ، وبالصواب والخطأ ، وبالعدل والظلم ، تحميها ماديا وسياسيا وعسكريا وقد رأينا ذلك .
ولولا التأييد الأمريكي الذي لا حدود له ، ولولا المال الأمريكي بالمليارات ، ولولا السلاح الأمريكي بلا شروط ، ولولا الفيتو الأمريكي بغير تحفظ لما استطاعت إسرائيل أن تصول وتجول وتعربد في المنطقة ، لا يردها راد ، ولا يصدها صاد ، ولما استطاعت أن تنشئ لها ترسانة نووية ولا يجبرها أحد أن تدخل اتفاقية حظر الأسلحة ،
العالم كله يطالب بالتوقيع عن وقف إنشاء أسلحة نووية إلا إسرائيل ! فهي الطفل المدلل لأمريكا .
إسرائيل هى الإرهاب الأكبر فى العالم الذى قام كيانه من أول يوم على الإرهاب ..والدم .. والاغتصاب .. والعدوان.
بينما أمريكا ترى المقاومة الباسلة التى تدافع عن نفسها هى الإرهابية ، ومن ناصرها وأيدها ووقف معها هو الإرهابى ! أرأيتم أعجب من هذا ؟ لابد أن نعلم أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض ألم نستفد هذا ؟ حتى متى نبقى حمقى غافلين ، أفيقوا واستفيدوا هذا الدرس من حرب غزة ،لن تقف أمريكا يوما وتقول : 'العرب أصحاب حق' مادام هذا يزعج إسرائيل ويضايقها.
أمريكا هى التى تضع تهمة الإرهاب على من تشاء ، ولن ترى أعداء أشد من المسلمين لتلقى عليهم هذه الأوسمة الأمريكيه بأنهم أرهاب وأهل خراب ، وإسرائيل والغرب هم أهل السلام والوئام ، وتفعل ماتفعله من أجل العالم ، وهم يتمنون السلام ، لكن حماس تعكر الجو!! أتدرون لماذا تعكر الجو ؟ لأنها تتحدث باسم الإسلام ، إنهم يتضايقون من هذا الاسم .
نستفيد أن أمريكا كإسرائيل أكبر عدو لنا ولدينينا وتاريخنا ، فإذا كان الأمر كذالك فلماذا نلهث خلف الغرب ومجلس الأمن ليحلوا مشاكلنا ، كالمستجير من الرمضاء بالنار .
• نستفيد أن أمتنا ما تزال بخير ؛ فى أول الأمر كان هناك برود فى التجاوب مع الأحداث ،
ولكن سرعان ما تحركت الأمة بعد همود ، واستيقظت بعد رقود ، وانبعثت بعد جمود ، وقامت المسيرات فى كل مكان ،حيا الله الشباب فى كل البلاد الذين ثاروا على الظلم الإسرائيلى الأمريكى لما رأوا هذه الحرب الغشوم بين اللحم والسكين ، والصدور العارية والدبابات الثقيلة ، والمروحيات والصواريخ ، بين صواريخ القسام والفسفور والغاز السام ، بين صواريخ غراد وأحدث عتاد .
كنت لا أرهن على الشعوب فيما مضى ، لكني الآن أشد رهانا عليها ، فهي القلب النابض وهى الاصل ، والإسلام لايزال يتحرك فى دماها ولن يتوقف أبدا .
يتبع>>