-إنَّ الذي يستثير همتي هو كل ما يدفع نحو المعالي
-الشباب هم روح الأمة وقلبها النابض بالحياة
-لا بدَّ للشاب من قدوة يقتدي بها
-علينا أن نربي الشباب أولاً ونبصره ونعلمه ثم نحمله المسؤولية
لقاء مع الشيخ بشير بالراس علي
حاورته : منى شمالي
خاص المنارة للإعلام - 4- 4 - 2009
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ الكريم الديَّان ، الودود الغفور عظيمُ الشأن ،والصلاةُ والسلامُ على خير الأنام ،وعلى آله وصحبه الكرام ..
أما قبل :
لقاؤنا اليوم .. يشعُ سناه ، وتسطع شمسه بهمةٍ وثابة ،تماماً كهمة الشباب الواعد ، لننسج معاً خيوطاً ذهبية ، نحتاجها جميعاً من أجل حياكة ثوب الأمة الأنيق ،
لنرمي بذاك الثوب البالي في عرض البحر
أما بعد :
فالحمد لله ها فجرٌ يرقرقنا * أنتم الفجرُ في زمنٍ سئمناه !
على وقع هذه الكلمات المتعطشة لبزوغ نور ينُبئ عن ميلاد فجرٍ بهيجٍ جديدْ ! أرحبُ بالشيخ الفاضل : بشير فتحي بالراس علي .
اهلاً وسهلاً بك معنا ، وبما أنَّ رحالك حطت هنا في - موقع المنارة للإعلام - عبر هذا اللقاء فلا بد لنا من معرفة البطاقة الشخصية ، فهلا أبرزتها ؟
الشيخ بشير : بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد : أحييى موقع المنارة ، على هذه الاستضافة ، وأشكر لهم ذلك ، كما أحييى قراء المنارة جميعهم ، وكتابها من العلماء والدعاة والمفكرين ...
الاسم : بشير فتحي إبراهيم المصراتي ، واللقب: بالراس علي ،
المواليد :21_11_1984م
متحصل على الليسانس من كلية الآداب،
قسم الدراسات الإسلامية (جامعة قاريونس)،
عام 2006_2007م
وأنا الآن خطيب ومحفظ للقرآن الكريم
- الشباب ..وَعْدُ الخيرِ والبناءْ .. عنوان ارتئيناه لـ ِلقاءنا ونسعى لتحليله تحليلاً منطقياً وعلمياً ، فدعني أبادر بالسؤال:
من هم الشباب ؟ وهل لهذه الفئة تصنيفات متعددة ؟
الشباب هم روح الأمة وقلبها النابض بالحياة ، أملها وفخرها ، وعزها ومستقبلها ، هم عصب الدعوات وحملة الرسالات ، وأمة بلا شباب هي أمة سراب ، ولا توجد دعوة من الدعوات إلا وتجد وراءها الشباب ، بدءاً من دعوة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) التي قامت على أكتاف الشباب ، بدليل أنَّ أبا بكر كان يلقب بالشيخ ،وعمره ثلاثون عاماً، وسن الثلاثين كما نعلم ليست سن الشيخوخة ،إنما لقب بهذا لكونه أكبرهم والمعنى أنَّ الشباب هم هم ، والأمة ترقى بشبابها ،فهم حماتها وعمادها ، بصلاحهم تصلح ، وباستقامتهم تنصر، ولقد أودع الله فيهم طاقات ومواهب وهم في هذه السن مالم يودعها في أي مرحلة أخرى من مراحل حياتهم ، ومرحلة الشباب ثروة لا تدانيها ثروة ، وهي التى تغالي بها الأمم ، وتعقد عليها الخناصر ، وبها تقوم النهضات ،وتنصر الرسالات ، أصحاب الكهف الذين فروا بدينهم كانوا فتية (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) إبراهيم عليه السلام كان فتى يوم جادل قومه وحاجهم وحطم أصنامهم ( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) 'الأنبياء' . فإذا ما توفر في الشباب الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل _ كما يقول أحد أئمة العصر _
وهذه من خصائص الشباب ، فستنجح الفكرة وتنهض الأمة وتبنى الحضارة . وأنا أحفظ منذ صغري لهذا الإمام قوله : (إنَّ أساس الإيمان القلب الذكي ، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي ، وأساس العمل العزم الفتي ، وأساس الحماسة الشعور القوي ، وهذه كلها لاتكون إلا للشباب). وإذا كان الشباب بهذا الذي ذكرناه فلنراهن عليه وسنكسب ، إذا أردنا للأمة النهوض ، فلنعط الثقة للشباب ، ونؤمن بوجوده ، ومدى فاعليته ، وإذا رأيت هوان وسقوط أي أمة فانظر إلى شبابها ، وستجد الخلل هناك ، ومن الضروري أن نعرف أنَّ الشباب يهيؤ له قبل ذلك ، ويربى في صغره ، فإذا أردنا أن ننشئ جيلاً من الشباب واعياً ، فلنسع في تربية النشء ، فإن المرء لا يربى وهو شاب وقد قال الله (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) ،
نتحدث عن الجيل القادم الذين سيصيرون شبابا ، فالتربية في الصغر ، ومن تحدث عن تربية الشباب ، فإنه ما أن يتربى حتى تكون مرحلة الشباب قد ولت ، والعزائم قد خارت والهمم قد ضعفت ، إلا إذا قضي الله أمراً من عنده .
هناك الكثير من الخصائص التي تتميز بها هذه الفئة أعني - الشباب - كالطاقات المتقدة والفؤاد الذكي والقلب النقي والعاطفة الجياشة - كما ذكرت - ،لكن ألا ترى معي أنَّ هذه الخصائص يمكنها أن تخبو أو لنقل تبقى مكانها دون أن يُستفاد منها إذا لم تُستثار بالشكل المطلوب ؟؟ على صعيدك أنت ما الذي يستثير همتك كشاب ؟
إنَّ الذي يستثير همتي هو كل ما يدفع نحو المعالي، وكل عظيمة ، ثم إنما هي حياة واحدة فلأحياها بهمة وعزيمة ، وأن اطلب معالي الأمور ، ومن كانت له همة فليعلقها بالثريا ، وإن الله يكره سفاسف الأمور ، ومن سأل الله فليسأله الفردوس الأعلى ، وهذا مما ربانا عليه نبينا (صلى الله عليه وسلم ) لا يقل أحدنا اللهم أسألك الجنة ، فإنَّ هذا من ضعف الهمة ، وإنما يسأل الفردوس إن كان سيدخلها ، فعلام يرضى بالدون ، وكل ذلك مداره على النية، فلتكن عالية ، فإذا كان الشخص قليل العمل ، ضعيف الهمة ، فلتكن في نيته أن يعطيه الله لينفق ويعطي ويرفع الأمة ويحييها ، ومن أجمل ماقرأت ، هو قول الأمام النووي رحمه الله يوم قال : (إ ني لأعجب من الرجل يكون ضعيف الهمة حتى في نيته )، فمثل هذه المعاني إذا كانت في الشخص فلن تخبو همته ، بل يزداد دائماً في العلو ، ومن أراد الدرجات العلى فعليه أن يبذل من أجلها ، ويضحي بما يهواه وما يريحه ، فإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام ، ولابد دون عسل النحل من وخز الإبر ، وثمن الفوز والنصر والعلو غال لاينال بالراحة ، وليس المجد تمراً يؤكل ، وما نيل المطالب بالتمني ، وقد قال الله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً .. وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } فعلى كلا الاتجاهين لابد من العمل ، وكل يتعلق بالإرادة {من يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} فهي الإرادة ثم العمل ، ولا بد أن تكون البداية محرقة حتى تكون النهاية مشرقة ، ولا ينال العلا إلا بهجر اللذات وتطليق الراحة ، والراحة لمن تعب ليست لمن نام ، ومن آثر الراحة فاتته الراحة ،والنعيم لايدرك بالنعيم ،والوصول للشيء يريد المسير إليه ، ولا بد لقطع الأميال من الخطوات ، والمرء لا يكون عالماً في يوم وليلة ، ولن تبلغ المجد حتى تلعق الصبِرا ، والمكارم منوطة بالمكاره ، والحق أقول إنَّ مما يرفع الهمة أن تصحب وتخالط وتعاشر أصحاب الهمم ، أوتدرس عند صاحب همة ، وقد تعلمت علو الهمة من شيخي (محمد خليل الزروق) الذي يحمل في جنباته همة تناطح السحاب في السماء ، وتسابق كواكب الجوزاء ،وقد ربانا عليها بحاله ، لابمقاله ، ولا أزكيه على الله ،ثم علي أن أذكر دائماً أنه إذا مضت مرحلة الشباب دون أن أقدم نفعا لي وللناس فقد فشلت وخسرت خسرانًا كبيراً، وكفرت نعمة الله ، فإنَّ كفران النعمة هي ألا تؤدي شكرها ، وشكرها أن تسخرها في الطاعة ، وأن ترقى بها ، مادام أنك معافى في بدنك ، آمنا في سربك ، عندك قوت يومك ،والشكر يكون بالعمل {اعملوا آل داوود شكرا} ، والشكر بالعمل يكون من جنس ما أعطاك الله ، فإذا أعطاك مالاً فلا يكن للتباهي والتعالي بما أعطاك ، إنما بالإنفاق والزكاة وما يخدم الدين ، ويرفع شأن الأمة ، وإذا أعطاك العلم فالعمل هنا بنشره بين الناس وعدم كتمانه ، وإذا سخر لك ملكاً وجاها فالعمل هنا بالعدل والإحسان ورد المظالم ونشر الخير ونصرة المظلوم وإعطاء الحقوق ، وإذا أعطاك العافية والصحة فالعمل على الطاعة والقربة وتقديرها بطلب الكمال ، والنعم تغمر الإنسان من فوقه ومن تحت قدميه ، وعن أيمانه وعن شمائله ، وتكمن فيه هو ذاته وتفيض منه ، وهو إحدى هذه الآلاء العظام ! فلابد من بذل الوسع ، وصدق الطلب ، وصحة النية .
- إني أسيرُ على خطاهم إنهم * * رمز الرجولة والتقى والدين
موضوع القدوة الحسنة الذي أوحاه لي هذا البيت الشعري ، موضوع يهم فئة الشباب كثيراً ،فنجد البعض منهم أشكل عليه فهمه
فلا يدري بمن يقتدي ؟! ولا كيف يختار من يقتدي به ؟فلا هو اقتدى ولا هو اهتدى ، لو تُحدثنا عن هذا الجانب وبعض من تحب أن تقتدي بهم ؟
لابَّد للشاب من قدوة يقتدي بها ، ولا يتربى الشاب هكذا وحده ، فعليه أن يختار من يرضى دينه وهديه وعلمه وفهمه وعقله، وهذه من خصائص المربي ، حتى لا يحتار ويحيد عن الطريق ، وعلينا نحن أن نبادرهم ونحصل على ثقتهم ، عندها نرشد ونبدل ، ونصحح ونعدل ، ونربيهم على الإيمان العميق ، والعلم النافع الصحيح ، والأخوة الصادقة والهمة العالية ، والصبر والتواضع والصدق ، وتقدير العلماء ، والقيام بأمر الله ،والوسطية والشمولية والتوازن ، وكم ضاع من الشباب اليوم بعد أن اتخذوا رؤوساً جهالا يرشدونهم ويوجهونهم ، فإذا بهم يفسدون أكثر مما يصلحون ، ولا يعرفون تقدير الأمور ، ولا الموازنة بين الأشياء ، لا يعرفون فقه الأولويات ولا المقاصد ، ولا جلب المصالح من درء المفاسد ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ولا شك أنَّ غياب القدوة للشباب أحدث خللاً عظيماً ، وشرخاً كبيرا ، واختفاء المرجعية في البلاد سبب اضطرابًا مخيفا ، وتصادماً بين الشباب عنيفا ، وأنا في الحقيقة في أغلب خطبي أركز على الشباب وتصحيح المفاهيم ، ولم الشمل ووحدة الصف بينهم ، وقد أجد في بعض الأحايين لائمة من الآباء لتركيزي على الشباب ، لكنني أبادرهم ضاحكاً ومداعبًا بأنكم أنتم الخير والبركة ، فيقولون : نعم ، نعم ، معك حق ! لابد أن يؤمن المجتمع كله ، بجميع مستوياته وكوادره ، بما للشباب من أهمية ومكانة ، ونفع للبلد لايكون إلا منهم ، وأن يلتف حولهم ويحتضنهم ، ويشجعهم على البذل والعطاء ، وإلا ذهبوا ذهاب أمس الذاهب ، بلا منفعة ولا عطاء .والشباب مسؤولية كل الأمة .
يتبع >>